اتصل بنا
 

حديث التقسيم وما بعده

رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد

نيسان ـ نشر في 2015-08-17 الساعة 23:25

نيسان ـ

يعلو صوت التقسيم، ومن كان محرجاً في الإشارة إليه لبعض الوقت، بات اليوم أقل حرجاً، وبعضهم ربما أصبح في حِلٍّ منه، بمن في ذلك الأميركي الذي يعيد المجاهرة بالتقسيم كحل يعيده إلى قواعد وجوده العسكري التي خرج منها في ساعة لم تكن موفقة في حسابات الأطماع،

ولا في معادلات المصالح المستجدة في المنطقة، رغم ما سوّق له على مدى الأشهر الماضية.‏

حديث التقسيم الذي ترتفع أسهمه في المرافعات الأميركية، وتنجذب إليه الأهواء والمطامع إقليمياً ودولياً، يشكل اليوم المنعطف الإضافي في متاهة البحث عن خيارات تبتعد بهذا القدر أو ذاك عن الحائط المسدود، الذي طالما كان في المعيار الأميركي حالة تتطلب التوقف، وتستدعي المراوحة وصولاً إلى تدوير الاتجاهات، من دون أي تغيير في الأجندات التي تبدّل شكلها وبقي مضمونها.‏

اللافت في كل التداعيات أن التقسيم الذي ظل هاجساً قائماً ووسيلة لتفسير الكثير من المشاريع، ولتعديل كفّة المعايرة في المصالح، يعود اليوم من الباب الأميركي الذي ما برح يدّعي الحرص على وحدة العراق، وسبق له أن ادّعى حرصه على غيرها وما أكثرها، ليوصل الأمور إلى حيث يتحوّل التقسيم خياراً تتقاطع معه المصالح وتتفق عليه الأطماع، ولو كان مواربة أو بشكل غير مباشر.‏

لا أحد يدّعي أن الجنرال الأميركي صاحب قرار، لكن من المثير أن يكون صاحب مشروع لم ينته بانتهاء خدمات الجنرال الأميركي، ولم يوأد كما وئدت الكثير من المشاريع والأحلام، بدليل أن التسويق للفكرة كان قد سبقه إليها جون بايدن نائب الرئيس الأميركي، ثم دفنت في حينها على الأقل في الخطاب الرسمي الأميركي، إلى أن جاء الجنرال المنتهية خدماته ليشعل جمرها المتقد تحت رماد الكذب الأميركي.‏

وقد يكون السؤال عن التوقيت منطقياً إذا ما قارناه بما يجري في المنطقة من سيل الأحاديث التي لا تتوقف ولا تنتهي عند حدود السعي لتقاسم إرث الفوضى الأميركية، قبل أن تنتهي من رسم إحداثياتها في قرينة إضافية على أن الأميركي لا يرتهن في مخططاته لما يظهر أو يطفو على السطح من مقارنات، ولا يعير اهتماماً جوهرياً لما يجري تداوله في اللحظة الراهنة، بقدر ما يعوّل على الآتي من الخطط البديلة، حتى لو اضطره ذلك في لحظة ما للتخلي عن أدواته والمسارعة إلى تبديل أحصنته، وهو في قلب المعركة، وقبل أن تعلن رسمياً عن وضع أوزارها.‏

عند هذه النقطة تبدو المقاربة الأميركية واضحة في التوقيت والمضمون، وقد تعمّدت إظهار ما تُبطنه من نيات مسبقة، وما تعمل عليه في إطار الترسيم النهائي لما افتعلته من فوضى، وما عمّمته من خراب، حيث تجزم أنه تحت سقف الفوضى كل شيء مباح ومتاح وكل شيء قابل للنقاش، وخلف ركام الخراب أو فوقه، يصح ما لا يصح في الظروف العادية، وتصبح الخيارات المؤجلة أو المستبعدة من الطرح العلني قابلة للتسويق.‏

وهو ما يتقاطع مع محاولة الاستنجاد بما يدور في الكواليس على أنه انعكاس لما تترجمه مشاهد المزاج الشعبي من مقاربات بعيدة بهذه النسبة أو تلك عن أجواء الحلول السياسية أو مساراتها المختلفة، سواء ما تعلق منها بالعراق أم سورية أم اليمن وغيرها، الممتد بامتداد الذراع الأميركي المنتجة للفوضى والخراب، حيث البدائل التي تقدمها لا تكتفي بما رسخته من مشاهد فرقة وافتراق، ولا بما زرعته من عوامل فتنة واضحة وصريحة، بل تتعمّد تحويله إلى مشاريع أولها وآخرها التقسيم الذي يطفو على سطح المفاضلة بين السيّئ والأسوأ.‏

الأخطر هو ما لم يتكلم به الجنرال الأميركي، وما لم تفصح عنه كواليس التحضير الأميركي بعيداً عن الأعين، وربما كانت طروحاته متأخرة كثيراً عن حديث ما بعد التقسيم، حيث أميركا لا تريد أن تكتفي بفرض التقسيم كمقاربة أقل سوءاً من نظيراتها، بل بما هو أبعد، وهي لا تبدأ بالحديث عن التقسيم، إلا وقد بدأت بالتفكير والتخطيط لمرحلة ما بعد التقسيم، وهنا الطامّة الكبرى، حين تشغل العالم في تداعيات التقسيم، لتتفرغ هي لخارطة سياسية وتجاذبات علاقة يكون التقسيم معها بكل ما فيه أقل مرارة.‏

أميركا لا تتحرك في الفراغ، ولا يتحدث مسؤولوها من فراغ، ولا شيء في المعادلة السياسية للهيمنة الأميركية يأتي عفو الخاطر في سياق السهو غير المتعمّد، والعالم يدرك أنها تعدّ الأنفاس، مثلما تحصي الكلمات والأحرف، ما يفوتها قد لا يكون في وارد حساباتها.. أنه مع الإرهاب وتبعاته لا تصلح القواعد ولا يؤتمن جانب الأرقام ..!!‏

نيسان ـ نشر في 2015-08-17 الساعة 23:25

الكلمات الأكثر بحثاً