اتصل بنا
 

حكومة الرزاز.. من الشعارات العالية إلى الواقعية السياسية

نيسان ـ نشر في 2019-11-15 الساعة 16:53

x
نيسان ـ صحيفة نيسان_خاص

تدرَج خطاب الحكومة، منذ تشكيلها، قبل نحو عام ونصف العام، من الجمل السياسية الفضفاضة إلى التحرّش بالملفات الصعبة، ومحاولة فكفكتها، على سبيل البحث عن حلول لاختلالات هيكلية كبيرة، مزمنة، ترسخت في بنية الدولة المادية والفوقية منذ تأسيسها.
ومع معرفتنا بخلفية الدكتور عمر الرزاز الفكرية، التي تُنظِّر للانتقال من دولة الريع إلى دولة الإنتاج، لم نتفاجأ بأول شعارات الحكومة، التي ظهرت في الرد على خطاب التكليف السامي، وفي أدبياتها اللاحقة، حيث ذهبت صراحة، منذ البدايات، إلى الترويج لإحداث تغيير في العِقْد الاجتماعي، لكن سرعان ما تم التنصل من هذا الطموح العالي السقف، والنزول إلى مستوى مشروع النهضة.
على الأغلب، كانت القطاعات المقصودة بالنهضة اقتصادية، لكن سرعان ما بانت فضفضة هذا الشعار، كون تطوير قطاع الأعمال والبنى الادارية والمنتجة في الدولة يحتاج إلى تشريعات وتعديلات في القوانين والتعليمات، لا خطابات حسنة النِيّات والرغبات.
التشريعات لا بد أن تُترجَم بتوجهات واضحة في الموازنة، لكن هذا لم يحدث؛ فقد تحججت الحكومة بداية الأمر بأنها جاءت إلى الرابع في منتصف عام 2018، وكانت الموازنة مقرَّة سلفا من قبل الحكومة السابقة، ولم يبقَ أمام حكومة الرزاز إلا إتمام تنفيذها، وجرى التلميح والتصريح بوعود التغيير المقبل في موازنة 2019.
المفاجأة كانت بأن الموازنة الجديدة جاءت مشابهة لما قبلها، مثقلة بالنفقات الجارية، والعجوزات في الإيرادات، ولن يَغلَب المتابع من خلال تصفح سريع ليكتشف أن النفقات الجارية امتدت على أكثر من أربعمئة صفحة من قانون الموازنة، بمخصصات قاربت سبعة مليارات دينار، في حين لم تتجاوز النفقات الرأسمالية أربع صفحات، بمخصصات مليار ونصف المليار دينار فقط، وتم تجميد جُلَّها لاحقا.
من المهم أن نلاحظ أن الحكومة لم تنزل إلى مستوى طروحات الواقعية بسبب التعديلات الأربعة المتلاحقة التي تمت على فريقها، أو بتغيير فريقها الاقتصادي، بل بسبب الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها من جراء إضراب المعلمين، الذي شكل بدوره نقطة فاصلة في تاريخ الدولة الأردنية، لجهة ترشيد وعقلنة التعاطي الرسمي مع المطالب الشعبية.
وبالفعل، فإن ما ميّز العامين الأخيرين، هو التطور في طريقة التعبير عن المطالب الشعبية، فلم تعد المطالب جهوية ضيقة، بمعنى أنه يمكن السيطرة عليها وتفكيكها محليا ومرحليا، عن طريق الاختراقات الأمنية للحراكات وشراء الذمم والتنفيعات، كما كان يحدث إبان الربيع العربي، بل أصبحت حراكات مطلبية واسعة، تلتئم على أساس طبقي، وإن بدت بظاهرها مطالب فئوية، مثل المعلمين والمتقاعدين العسكريين، وتنحصر مطالباتها بقطاعات معينة، لكنها حصينة ومشدودة إلى عصب مصالح قوي، إضافة إلى اتساع حاضنتها الشعبية.
بداية هذه الحراكات الجذرية كانت الانتفاضة الشعبية ضد قانون ضريبة الدخل، عام 2018، الذي في إثرة جاءت حكومة الرزاز بعد أن أطاح المحتجون على الدوار الرابع بحكومة الدكتور هاني الملقي، ومن ثم جاء الحراك الأكثر جذرية، الذي تجمعت به كل خبرات النضال المطلبي الأردني التاريخية، لينتج عنه أطول إضراب في تاريخ الدولة الأردنية، واستمر حتى تحققت مطالب المعلمين كاملة.
ربما يعود الفضل، لهذه الحراكات في تطبيع منهج الحكومة، لجهة التعاطي مع ملفات الأزمات، لأن من أهم الدروس المستقاة من إضراب المعلمين، ليست استخلاصات ونتاجات منطق المغالبة، بل إن ما يجب التركيز عليه هو الانتصار الحقيقي الذي تم الخروج به من تلك المعركة، ألا وهو الانتصار الذي حققه السيستم الاجتماعي حين استطاع أن يستوعب حالة الاحتقان والشد الكبير بين أطراف وكتل اجتماعية كبيرة، خلال أزمة المعلمين، وجنب البلاد حالة انفجار كانت قريبة الحدوث.
إلى ذلك نرى أن إدراة الدكتور عمر الرزاز صارت اليوم أكثر واقعية ورشدا، وتتحلى بطول نفس غالبا لا يتوفر إلا عند أصحاب الأداء السياسي الرفيع المتمكن، وذلك أمر مطمئن مرحليا، خصوصا وأن الحكومة بدأت بفتح ملفات اقتصادية وادارية واجتماعية جدية، تتعلق جميعها بدعم الانتاج العام وتصحيح الاختلالات البنيوية في الدولة، وما ننتظره أن يظهر ذلك، ولو كتوجّه، في مشروع قانون الموازنة لعام 2020، وأن لا تكون هذه النقاشات والحوارات فقط لهدف تمرير الموازنة، بحيث تكون نسخة عن موازنات الحكومات السابقة، التي تعاقبت على إدارة وإعادة إنتاج الأزمات الاقتصادية، وتعميقها بالاقتراض وفرض الضرائب من دون زيادة في الدخل.

نيسان ـ نشر في 2019-11-15 الساعة 16:53

الكلمات الأكثر بحثاً