اتصل بنا
 

إلى وسام دون غيره

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2019-11-10 الساعة 14:06

نيسان ـ لنقل أن اسم بطل هذه الحكاية وسام. وسام رجلٌ عاديٌّ لديه أصدقاء من المدرسة والجامعة والعمل ويحب تقليب صوره معهم بين حينٍ وآخر ليستعيد ذكريات تلك الفترات. يصلّي وسام أحياناً، ويشكّ بإيمانه أحياناً ثم يصلّي. لوسام حبيبة أحبها، لكنها تركته.
هذا الهجر جعله يشرب الكحول فترة. يسدّد وسام قرضين كلّ شهر؛ قرض المنزل وقرض السيارة. هذا الضغط مصحوباً ضغط العمل يجعلانه يفرّ الى جلسات مع أصدقائه للعب الطاولة والورق ولتدخين الأرجيلة والسهر أحياناً. ناوله صديقٌ سيجارة حشيش يوماً، فدخّنها. لم يعجبه الأمر فرفض كل كحاولات صديقه اللاحقة.
يفكر وسام في مسائل كثيرة، الوجود والصواب والحلال والخطأ، وهذا ما دفعه إلى القراءة بشغف. بدأ في سن المراهقة بنبذ تقاليد المجتمع ومحاربتها، ثم تدين تديناً متطرّفاً وحطّم تلفاز المنزل وامتنع عن سماع الأغاني. ثم بدأ بالسؤال فالشك فالثورة. ألحد وسام إلحاداً متطرفاً إقصائياً لأنه شعر أنّ كل من حوله تلاعب بعقله لسنين طويلة، ولكنّ شيئاً ما في داخل وسام لم يسترح؛ فهو لم يتمكن من تفسير الصدفة والقدر والأحلام والمشاعر والتوق للخالق، فأخذ يطرق أبواب الصوفية، وهناك وجد التوازن الذي كان ينشده، لكنّه وبرغم ذلك مستمرٌّ في البحث.
وصل وسام خبر تعيينه في هيئة مكافحة الفساد، فاستقال من وظيفته في القطاع الخاص وبدأ عمله الجديد وبكلّ حماس.
وأثناء تحقيق وسام في قضية فساد، تمكّن من العثور على دلائل قاطعة تُدينُ شخصيةً كبيرة في البلد. هذه الشخصية هي والد زميل له في المدرسة. تعرّض وسام لمحاولات استمالة وتهديد خفيف فأدرك أن عليه أن يقرّر: أيستمرُّ ويفضح المستور، أم يعيش نملةً فيأكل سُكّر!
قرّر وسام أن يقوم بالصواب وأن يقف بصفِّ أصحاب الحقوق المسلوبة، فقدّم الأوراق والمستندات المتعلّقة بالقضية للمسؤولين وأعلن عن ذلك عبر قنوات رسمية وبحسب الإجراءات المتبعة.
حقّق وسام شعبيةً كبيرة ولاقى موقفهُ استحساناً ومساندةً من الرأي العام الأردني، فتشجّع وشعر بالطمأنينة. ولكنّ خصومه كانوا له بالمرصاد:
أولاً: نشر صديق الطفولة كل صورهِ مع وسام ليُثبتَ أنّ وسام على علاقةٍ به وبأبيه الفاسد ومنذ زمن.
ثانياً: نشر صديقه الآخر صور وسام وهو يدخّن الحشيش ويشرب الكحول في إحدى السهرات.
ثالثاً: ظهرت حبيبته السابقة فجأةً، لتتهمه بالتحرش!
رابعاً: نشر بعض معارفه صوراً لمنشوراته حين تطرّف دينيّاً وحين ألحد.
أعتذر على الإطالة ولكن كل ما ذُكر مقدمة للحديث عن السؤال التالي:
ماذا يفترض أن تكون ردة فعلنا الآن كأردنيين على قضية وسام؟
اليوم أيها الأصدقاء والأخوة، أكبر خطأ نقع به هو أن ننزّه أصحاب المواقف الشجاعة عن الأخطاء أو التجارب الإنسانية؛ وسام في مثالنا هذا سجّل موقفاً شريفاً حين قرّر أن يقف الى جانب الحق، لكن هذا لا يجعله الفارس النبي الذي لا يخطئ! نحن هنا نحمل أصحاب المواقف ما لا يُطيقهُ بشر، ألا وهو الكمال! ثم تخيبُ آمالنا حين نكتشف أن هذا البطل كان يشرب، ويسهر ويدخن ويقيم علاقات مع النساء وغيره وغيره، وننسى أنّ تجاربه هذه هي التي صنعت من وسام ما هو عليه الآن! تجارب وسام وأخطاؤه هي التي بنت قراره الشريف اليوم!
هكذا يستغلُّ الفساد عواطفنا وتوْقنا إلى صورة البطل الأبيض؛ بأن يكشف لنا أنه بشر، فنسارع نحن الى التعبير عن خيبة الأمل والصدمة و"طحت من عيني يا فلان" و"حتى أنت يا بروتس" وغيره وغيره.
الأولويات أولى؛ اليوم أقف إلى جانب وسام في هذا الموقف الذي سجّله لأنه موقف حق، ولا شأن لي بتجاربه واستكشافه للأفكار والعلاقات فيما مضى وما سيلحق! أنا أؤيده وأسانده وأقف معه في مواجهة كل محاولات النيل منه التي تعاقبه على هذا الموقف الجريء.
وسام يشبهنا جميعاً؛ أنا وأنتِ وأنتَ وأنتم. أصاب وأخطأ. واليوم وسام قرّر. اليوم وسام يدفع ثمن قراره. اليوم أقف مع وسام حتى وإن كان قد رقص متعرياً يوماً ما، فلولا أنه سجل موقفاً شريفاً اليوم لما حاولوا فضحه حين رقص متعرياً ذلك اليوم!
أنا مع كل وسام يسجّل موقفاً شريفاً، وأدافعُ عنه ما استطعت، لأنني وإياكم، قد تضعنا الظروف في موقف يتطلّب تسجيل موقف، وسنحتاج وسام الذي مرّ بالتجربة ذاتها وكلّ مساندةٍ تعيننا على تكاليف هذا الموقف.

نيسان ـ نشر في 2019-11-10 الساعة 14:06


رأي: زينة المعاني كاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً