اتصل بنا
 

ناصر النواصرة..النقابي العنيد

نيسان ـ نشر في 2019-10-10 الساعة 11:22

x
نيسان ـ فاطمة العفيشات ورأفت قبيلات
أن ينجح معلم تربية إسلامية في حجز مكانة نقابية وسياسية ووطنية خلال ثلاثين يوماً، وسط ساحة مترعة بالشخصيات الرسمية والحزبية والعشائرية، فهذا يعني أن الشارع متعطش لقائد يشبهه ولا ينقلب عليه، ويعني أيضاً أن درباً شاقة قطعها النقابي بكامل وعورتها، معتمداً على ثقة الناس وزملائه في صياغة مشهد نقابي صلب.
نحن نتحدث عن نائب نقيب المعلمين، الدكتور ناصر النواصرة، الذي حمل هم نقابته وزملائه، وقفز من غرفة نائب النقيب إلى "كبينة" القيادة بين ليلة وضحاها، لكنه صمد بوجه التيار الرسمي، فكرّس اسمه نقابياً عنيداً على صفحة السياسة الأردنية، في وقت كفرت به الناس بكل الهيئات المنتخبة، ولم تعد تؤمن إلا بنفسها.
ولد ناصر في تموز-يوليو عام (1972)، في قرية كفر خل بمحافظة جرش, لعائلةٍ تتكون من 7 أشقاء، و4 شقيقات، كان النواصرة أصغرهم, والمدلل فيهم في حضن والدته ووالده، رحمهما الله.
تأثر النواصرة الطفل بأخلاق الرجال في الأطراف، ولا سيما أنه حفيد لمختارين وابن وجيه في قرية تؤمن بنفسها وقيمها في مواجهة المد "النيوليبرالي" المستفحل اليوم في عمان، فظل يسمع رنة فنجان القهوة كفاتحة خير، تحيل التحديات والمشاكل إلى بسمة اجتماعية على جبين القرية، بحكمة الحكماء، وفراسة الفرسان.
من هناك انطلق الفتى إلى عمان يحمل بقلبه ووجدانه كل تلك القيم وغيرها من المهارات الإنسانية التي تكفلت بإذابة كل الثليج في دربه النقابي، فراكم الحوار تلو الحوار، واللقاء تلو اللقاء من دون شطط أو غلو، ظل ممسكاً بعنوان واحد، لا يحيد عنه، حتى حازه متعباً منهكاً بعد شهر من مقارعة الحكومة وأدواتها، في خريفٍ كانت ريحه عاتية وأمواجه متلاطمة.
درس الطفل المدلل في مدرسة أسد بن فرات، بجرش، حتى تخرج من المرحلة الثانوية عام (1989) , فانتقل الشاب من الأرياف إلى العاصمة عمان، ليدرس بكالوريوس الفقه والتشريع في الجامعة الأردنية، التي تخرج منها عام (1994), ثم واصل الفتى مسيرته العلمية، فحصل على درجة الماجستير في "اقتصاد المصارف الإسلامية من جامعة اليرموك, وشهادة الدبلوم المهني من "الجامعة الأردنية" , ثم شهادة الدكتوراة في اقتصاد المصارف الإسلامية من "جامعة اليرموك".
طفولة ناصر الممزوجة "المنقوعة" بقيم أردنية كثيرة، جعلت منه تلميذاً محبباً بين زملائه ومعلميه, فكان لاعباً رياضياً ماهراً في كرة القدم, والشطرنج التي حفظ رقعتها عن ظهر قلب, اما "مصطفى الرصاصي" و " كمال ارشيد مقابلة" فهما اسمان لهما وقع خاص في قلب تلميذهما الذي لم ينس فضلهما بتشجيعه على العلم والمعرفة.
عمل ناصر النواصرة معلماً في مدرسة حكومية عام (1995), ثم تنقل بين العديد من المدارس داخل محافظة جرش, بالإضافة لأعمال حرة، تعلمها ليقهر ظروف الحياة الصعبة، وليتمكن من توفير أقساط الجامعة التي دفعته تالياً للتخلي عن قطعتي أرضٍ ورثهما عن والده؛ ليواصل دربه في الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة؛ بعد أن انفقت عائلته كل مالديها لإتمام مرحلة البكالوريس.
بعد صدور قرار التعيين وعند بلوغه الرابعة والعشرين من عمره, قرر الشاب الزواج، فاختار شريكة عمره من قريته ليبدأ معها مشوار التعب بصمت وحب ولا يقهر.
"الفوكس فايجن"
كانت وسيلة التنقل الخاصة لناصر سيارة "فوكس فايجن" المصنعة عام (1971)، وهي مركبة مشتركة بينه و"عديله", فمن كان يحتاجها للوصول لمكان ما يأخذها دون استئذان, واستمرت الشراكة لثلاث سنوات, قبل أن يشتريها لوحده, ثم استبدلها بعد 9 سنوات بسيارة "هوندا سيفيك", وبعد 7 سنوات استبدلها بسيارة "ميتسوبشي لانسر" التي خاضت معه جولات النقابة بكامل طاقتها وبنزينها.
الحياة الحزبية
يؤمن النواصرة بالدستور الأردني الذي يسمح الانتماء للأحزاب؛ ما دفعه للانخراط بحزب "جبهة العمل الإسلامي" في التسعينيات, بحثاً عن إطار فكري سياسي يجد نفسه به.
يتمسك النواصرة بمعتقداته بضرورة وجود أحزاب كبيرة وحكومات برلمانية لمحاسبة الحكومات المتعاقبة على تقصيرها, في سبيل تحقيق الإصلاح السياسي, وانهاء ما يعتبره تخلفاً سياسياُ في الوقت الحالي.
علاقته بالنقيب الحجايا
التقى ناصر النواصرة لأول مرة مع النقيب المرحوم أحمد الحجايا في لقاء تلفزيوني على احدى الشاشات الأردنية, حيث كان الحجايا حينها ناطقاً إعلامياً في نقابة المعلمين, وخصماً للنواصرة في الدورة الإنتخابية الأخيرة.
بعد انتهاء الدورة الثالثة, دخل المجلس في تحالف جديد, ليصبح خصم الأمس صديق اليوم, فتعرف النواصرة على الحجايا عن كثب.
لمس النواصرة صدق الحجايا وشجاعته وإخلاصه للفكرة, ليبادله الآخر ذات الشعور, وهو ما عبّد الطريق أمام انسجامهما الكبير.
في لحظةٍ أطبق عليها الحزن, ووسط أحرفٍ مشحونة بالفقد يستذكر النواصرة الحجايا فيقول لـ"صحيفة نيسان" : صديق درب ورجل حر شاء من شاء وأبى من أبى , فهو الحر الوفي والشجاع".

أزمة إضراب المعلمين
يعتز النواصرة بالمعلم, ويزداد حب المهنة لديه, بعد أزمة إضراب المعلمين وانتصارهم التاريخي في نيل حقوقهم, لأن المعلم اليوم عرف طريق الحرية والصمود وانتزاع الحق مع حب الوطن, الذي لن يتراجع عنه.
يرى ناصر النواصرة بأن ما كان ينقص المعلمين هو القيادة الحرة الشجاعة, لأنه أصل النسيج الوطني, فالقائد القدوة والذكي القادر على المناورة , سينجح، والمعلمون كانوا يبحثون عن هذه القيادة, وهذا ما وجدوه في احمد الحجايا وناصر النواصرة – كما تحدث لـ"صحيفة نيسان".
يؤكد النواصرة بأن المعلم اليوم بنى صرحاً للكرامة والمكانة الإجتماعية والأخلاق الرفيعة والإنتماء للوطن لدرجة لم يبلغها أحد، رغم انحياز كثير من النقابيين والنقابات ضد قضية المعلم.
في ظل الحديث عن أزمات في النقابات الأخرى, يؤمن النواصرة بحرية الرأي والمطالبة بالحقوق, مشدداً على وقوف النقابة مع كل صاحب حق مهما كانت صفته.
يرفض النواصرة انخراط نقابة المعلمين في الشأن السياسي في الوقت الحالي, لإنشغالها في العمل المهني والنقابي, مع التفريق بين العمل السياسي والوطني, فهي ستكون مبادرة لأي عمل وطني يحفظ كيان الوطن , فأرواح من فيها رخيصة لأجل الوطن .
يعتقد النواصرة بأن حكومة الرزاز غلبت العقل والحكمة على الجناح المتشدد داخل الحكومة, منتصرة في لغة الاعتذار والحوار, ومن تحمل تبعة القرار من وزراء هم رجال دولة بمعنى الكلمة وحافظوا على الوطن واستقراره .
وعن ضغط نقابة المعلمين على الحكومة يقول النواصرة بأن لا أحد ينكر أن موقف النقابة كان قوياً نتيجة اصرارها والتزام هيئتها العامة بقرارها النقابي, وهو أمر مشروع مارسوه في تعبيرهم عن رأيهم ومطالبتهم بحقوقهم.
يأمل النواصرة من المعلمين اليوم الإقبال على ابنائهم الطلبة بقلوبٍ حانية وعقول واعية, والتركيز على تعليمهم المهارات والقيم والأخلاق بالإضافة إلى المعارف الموجودة في المقررات الدراسية, والتأكيد على مسألة الإنتماء لهذا الوطن.
يتفاءل ناصر النواصرة بمستقبل ابنائه القسام، وامامة والحارث و الخنساء و زينب و ميمونة و يمامة و بشرى و زهراء في بناء أسرة أردنية عنوانها الالتزام والعلم والمعرفة والأخلاق والقيم، في مواجهة الزيف والخذلان والقشور.

نيسان ـ نشر في 2019-10-10 الساعة 11:22

الكلمات الأكثر بحثاً