اتصل بنا
 

في ردع الذباب الإلكتروني

نيسان ـ نشر في 2019-07-22 الساعة 22:16

x
نيسان ـ نيسان خاص .. "عندما أكملَ نضح ما في جوفه من أحقاد وأوساخ جلس ينتظر الرد، لعلّه أخطأ. لا ضير! فهو ما زال غِرًا في الخصومات والمواجهات، وكذا حاله في الشجاعة والإقدام ومكارم الأخلاق، حيث ظنّ في عقله (الباطل) أن الردَّ لا يكون إلا بالمثل أو بالأسلحة ذاتها.
وإنه لأمر يَحار فيه الحليم العاقل، فإذا استخدم عدوّك أرخص أسلحة الابتزاز، كيف تواجهه؟! وهل ترضى أن تنزل معه إلى درك السافلين !؟
لا تالله.. إنّ السوّي الراشد لا يفعلها، ولن يُواجِه القُبح والوضاعة إلّا بالجمال والترفّع.
على رِسلك أيها الممتطي كيبوردك مطلقا تخيلاتك في عتمات التوريات الجبانة؛ فهيهات أن تجر الكريم الوفي إلى مربعاتك المنتنة، على أمل مريض، يعشعش في مستنقعات روحك الآسنة، غاية مقاصده بث الأحقاد والفتنة.
أيضا؛ انتبه جيدًا وأنت سادر بعيدًا في غِيّك؛ ولا تراهن كثيرا على ما يتحلى به خصمك من حلم، فذلك كله لا ينتقص من كونه الحسام القاطع عند الضرورة، الذي يعرف متى وكيف يرد، بالأفعال لا بالأقوال، فصنْعتُه ثني الخصوم وطعجهم، وقصقصة الأصابع العنكبوتية المرتعشة، المجبولة على الخيانة والغدر... فلا تمعن في تجريب اختباراتك لصبره.
هنا قد تفيدك وقفة للتأمل أكثر من اندفاعاتك المتهورة، ولعل الأجدر بك أن تنتفع وتتعظ من الشمائل العالية التي يتحلى بها خصمك، فكن ندا له. وانظر إلى أولئك الذين لا ينجّرون إلى الفجور في الخصومة واتعظ، نعم؛ خصوصا أن من تعتبره اليوم عدوك ليس من المنافقين ليمارس الفجور أو الشطط، بل ما زال يحافظ على شرف الخصومة، ومازال حتى هذه اللحظة يصر على أن لا يشخصن الخلافات حتى لا يكره خصمه، أيّ خصم، إلّا هونًا ما، وبما يساوي حجمه، كما لم يحب أي صديق على مر الأيام إلّا هونًا ما، والاقتصاد في الكره والحب هنا نحوٌ من ترك الباب مواربا، لعل وعسى تتبدل حالٌ يعود فيها الضال إلى رشده، أو يضل الراشد طريقه لا سمح الله.
في الأحوال كلها، الانسان السوي لا ينزل إلى مطامن الأرض وجحورها؛ لأن له هوى أن يبقى في أعاليها. وهو هناك، في عِلّه، حيث لا تزعجه الذبابات الإلكترونية بطنينها ورفرفاتها المراهقة الصفيقة، وفعليا هو ليس مضطرًا لتكبد كلفة الانحدار إلى مستويات الوضاعة، فما زال يملأه الاصرارُ على اختيار خصومه بما يليق هيبةً بوجاهة الاختلاف، بالسوية ذاتها التي يختار فيها أعز الأصدقاء وأقربهم إليه.
أخيرا؛ يجب ألا تفرح كثيرا بأولئك الخنّاسين الذين يهمزونك بـلايك "like" هنا أو تعليق عابر من أطراف أصابعهم القذرة هناك، فأنت صرت اليوم مصرفا لفيض أحقادهم، والحري بك الآن أن تدقق في هُوياتهم، فكلهم افتراضيين، وجلّهم، اذا ما استثنينا الجهلة، من المخبرين والبلطجية والمرتزِقة والنصابين والضالعين في تجارة القوارير الفارغة، وأعلاهم شرفا ربما يكون شحادا يستجدي قوت يومه إذا لم يتسنَ له سلبه من عابر طريق أو مسكين أوقعه حظه العاثر في براثن من لا يرحم.
هؤلاء جميعا سرعان ما يهربون بعيدا عنك، بمجرد أن تطرق مسامعهم رنات الدراهم في ركن آخر، حتى لو كان في الضفة المقابلة، فدأبهم الارتزاق والتذلّل لمن يعتقدون أنه سينُفّعُهم آنيا، بل إن حالتهم أسوأ من ذلك بكثير، فهم كما أقنان في سوق نخاسة، ليس أسهل من تداولهم بين الراغبين في الاقتناء والباعة، وقد سبق لصاحبك أن امتلكهم لبرهة من الوقت، لكنه ملّ من تابعيتهم له، فباعهم بأبخس من الثمن الذي اشتراهم به."

نيسان ـ نشر في 2019-07-22 الساعة 22:16

الكلمات الأكثر بحثاً