اتصل بنا
 

او لتصمت

نيسان ـ نشر في 2019-04-10 الساعة 11:30

نيسان ـ في السادس من ديسمبر لعام 2017 خط الرئيس الامريكي دونالد ترامب توقيعاً بدماء الشهداء ورسمه على شكل تموجات اشبه ما تكون بجهاز تخطيط القلب فقد كان يعلم علم اليقين ان قراره الذي وقع عليه هو قرار ستنخلع منه القلوب وسيزيد من معدل نبضاتها وسيغلي الدم في اوردة الامة الاسلامية وكان توقيعه شبيهاً بجهاز رصد زلزال قوي جداً فقد علم انه وقّع على زلزال بشري لا يصلح معه سلام ولا مهادنات فقد سمح لنفسه بمنح اسرائيل قلب الوطن العربي عاصمة لها وكان يظن بذلك ان الامة الاسلامية ستكمل سباتها وسيستقيم خط قلبها للأبد وسَتَتَعامى عن خطوط الزلزال الذي رسمه لكن غبائه الذي نراهن عليه لم يساعده في تخيل عقبات قراره ولم يعلم انه بتوقيعه هذا سيعيد الى ذاكرة الامة عروسهم المغتصبة التي طالما تناسوا وجودها وسيوحد صفوف الامة بعد سنوات من الصراع والتناحر
لم يخف على احد منكم ما قامت به الشعوب العربية والاسلامية لنصرة قدسها فلم تبق بلد ولا جامعة ولا مدرسة ولابيت لم يرتعد قلبه لدى سماع هذا الخبر بل حتى الشعوب الغربية لم تستسغ هذا القرار ومنهم من دافع عن حق الفلسطينين بمنصبه ومنهم من انكر بلسانه
ولم يدخر احد جهداً لنصرة القدس كل حسب مقدرته وطاقته وكل قد علم دوره و موقعه ، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من اساليب الانكار والرفض لهذا القرار المجحف
لكننا وضعنا علامات استفهام كثيرة حول من بخلوا على القدس حتى بلسانهم مع انهم اولى بالقدس من غيرهم وهم في الأصل هم اهل العلم والاسلام واعلم الناس بمكانة القدس في ديننا
اظن ان الصورة بدأت تتضح لديكم والضباب يتلاشى من امام اعينكم لقد اعلن ترامب هذا القرار مساء يوم الابعاء اي انه يومٌ ليس ببعيد عن الجمعة ولا يفصل بينه وبين الجمعة سوى سويعات قليلة، فما كان من خطباء المساجد وعلماء الامة الا ان وحدوا خطبتهم نحو القدس والمسجد الاقصى وغيّر كل منهم خطبته التي كان قد حضَّرها قبل ايام واستبدلها بخطبة تُذَكر الناس بقدسهم وعقيدتهم وتوقظ في داخلهم بقايا الضمير العربي والاسلامي وتوقظ الامة من سبات طال امده وتمد جسور الوحدة والألفة بين صفوف المسلمين وتحثهم على نصرة الاقصى ولو بالدعاء
فهم يعلمون ان الله تعالى عندما فرض علينا خطبة الجمعة لم يفرضها عبثاً بل فرضها لأنها بمثابة نشرة اخبار توعوية للأمة كافة فليس الجميع متابع للأخبار وشغوف بها لكن نشرة الاخبار الاسبوعية التي خصنا الله بها ستخبرك بأهم الاحداث التي تواجه الامة وستبين لك دورك في مواجهة هذه الاحداث ونصرتها من خلال الكتاب والسنة ، فهؤلاء العلماء والخطباء قد ادوا دورهم ونصروا قدسهم بما اتاهم الله من علم وقدرة
لكن علماءاً لنا في الامة الاسلامية وبالعالم العربي لم يُحرك فيهم القرار ساكناً ولم يمنعهم من القاء خطبهم التي حضروها فهو ليس بالموضوع المهم الذي يستحق منهم تغير خطبة اعدوها او حتى ارتجال خطبة عن القدس والمسجد الاقصى
القرار الذي وقعه ترامب قد ميّز الخبيث من الطيب وبيّن الثابتون على مواقفهم ودعوتهم من المستاقطين على طريق الدعوة والمباديء
نحن لم نعتب على رجل من عامة الشعب على صمته وعدم نصرته للقدس ولم نلم اياً من الاوساط المجتمعية و ما جزعنا بموقف احد ولا صمته كما جزعنا لصمتكم وخذلانكم ، هل تعلمون لماذا ؟؟
ببساطة لأنكم اكثرتم من حجج الله عليكم فعلمكم الذي اقططع سنوات من عمركم وما زال يقططع وعملكم مع الله الذي لا تقاعد فيه ولا استقالة وانتم من اخترتم بأيديكم العمل معه هو الذي جعل عتبنا عليكم كبيراً
أهذا ما عقلتموه من دينكم ان يكون جزء من عقيدة الأمة تحت ايدي المغفلين يتلاعبون به وانتم تبخلون على القدس بخطبة جمعة ؟؟ أيعقل ان تكون مساجد الأمة تضج بالحديث عن القدس والأقصى وانتم تخطبون عن نواقض الوضوء والأم ؟؟
لم اقل انها ليست امور مهمة لكن هناك المهم والأهم واعتقد ان الاهم واضح كوضوح الشمس ، ألم يردعكم هذا القرار عن خُطَبكِم ويدفعكم لتحويلها عن القدس ؟؟ ألم تُصبكم حرقة على ما وصلنا اليه وهممتم لنصرة الأمة بعلمكم وقدرتكم
اعلم ان معظم العلماء الذين غضوا الطرف عن القدس وكأن شيئاً لم يكن وتكلموا في الفروع ، انما كان خوفاً من طغيان الحاكم وجبروته فأنا اُقَدّر ان كل واحد منهم لديه شبان واطفال قد يُضَيّقُ عليهم في حياتهم ومستقبلهم اذا تحدث والدهم بما يغضب حاكمهم
لكنك حتماً سمعت حديث المصطفى _ عليه الصلاة والسلام _ : ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً أ ليصمت ) ، وانت لم تقم بالخيار الأول ولا التزمت بالثاني ، فنحن لم نطلب منك ما ليس بقدرتك ولم نطالبك بكلمة حق عند سلطان جائر ، لكننا طلبنا كلمة الخير وعذرناك على عدم استطاعة قولها وقدّرنا ظروفك لأننا نعلم ان درء المفاسد اولى من جلب المنافع ، لكنك بالمقابل اتحفتنا بالباطل والخذلان لترضي الحاكم ولم تُؤثر الصمت ابداً .
في عام 1982 اجتاحت اسرائيل بيروت ولا داعي ان اقول انها ذبّحت وقتّلت الكثيرين فأنتم أعلم باسرائيل مني لكن الشاهد ليس هنا
قبل سنوات قليلة سُئل احد العلماء عن سبب عزوف الشباب عن حضور خطبة الجمعة وذهابهم اليها قسراً وجبراً ، فقال : (( في عام 1982 عندما اجتاحت اسرائيل بيروت قمت بتحضير خطبة جمعة عن هذا الموضوع والقيتها فما ان نزلت عن المنبر حتى كانت المخابرات بانتظاري )) لكن الجملة التي قالها بعدها تستحق ان تُكتب بماء الذهب وتُنقش على جدران التاريخ لكي يُخلدها لأبد الابدين ، فقد قال : ((لا يُعقل ان يكون اخواننا في بيروت يُذبحون ويُقَتلون من قبل الاسرائلين وانا اخطب عن فضل السواك فهذا اتحدث عنه في موضع اخر ولا نُفرغ له خطبة جمعة ابداً ))
وانا اقول لا يُعقل ان يكون الأقصى يتكأ على اكياس الاسمنت والقدس تحت ايدي الظالمين يتلاعبون بها كيف يشاؤون وانت تخرج وتعطي خطبة عن نواقض الوضوء والأم
ستقول لي ليس بيدي حيلي والأذى لن ينالني وحدي بل سيطال عائلتي بأكملها ، سأقول لك ان لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل وان استطعت فقل خيراً او لتصمت

نيسان ـ نشر في 2019-04-10 الساعة 11:30


رأي: رحمة موسى

الكلمات الأكثر بحثاً