اتصل بنا
 

السخرية في سورة ( المنافقون)

نيسان ـ د. عثمان قدري مكانسي ـ نشر في 2015-07-12 الساعة 22:23

x
نيسان ـ

في هذه السورة المباركة آيات عديدة فيها سخرية من المنافقين الذين سميت السورة باسمهم .

1- يقول الله تعالى في الآية الأولى في هذه السورة ( إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) ، فقد سماهم المنافقين ، وهذه التسمية فضيحة لهم – ابتداء- فقد عرّاهم وهم يشهدون للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة : إنهم منافقون كاذبون، فلا تأمن لهم ولا تصدِّقهم. ولا أقوى من هذا التحذير الذي يسبق مقالتهم.

واستعمل أداة الشرط ( إذا) الدالّة على المستقبل، فضحهم ولمّا يقابلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليشهدوا له شهادتهم الكاذبة الدالة على خبثهم وأنهم يقولون ما لا يؤمنون به .

وللتعمية على كذبهم أكدوا كلامهم بالأسلوب الإنكاري – إذ شهدوا – والشهادة توكيد- وأكدوا بـ( إنَّ واللام المزحلقة) فاجتمعت تأكيدات ثلاث ، دحضها القرآن الكريم بثلاثة مثلها ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) وتوسطها العلم بالحقيقة الأزلية – حتمية الرسالة – ولا تُقبَل الشهادة إلا مسبوقة بالعلم ، فقال الله تعالى ( والله يعلم إنك لرسوله) . وأولئك لا يعلمون حقيقة ما يقولون لعماية قلبهم عن إدراك الحقيقة .

2- فضحهم فالقرآن في قوله: (اتخذوا أيمانهم جُنة) ولن تنفعهم أيْمانُهم هذه فهي مكشوفة يتسترون بها ويختبؤون وراءها كما تُخبئ النعامة رأسها في الرمال ( اتخذوا أيمانَهم جُنّةً)ففي سورة التوبة يحلفون كذباً ( وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون)الاية 42، ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم ، وما هم منكم ..) الاية 56، ( يحلفون بالله ليرضوكم ..) الآية 62، ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر..) 74.( وليحلِفُنَّ إن أردنا إلا الحسنى ..) الآية 107، والآيات كثيرة في هذا الباب.

واقرأ قوله تعالى ( إنهم ساء ما كانوا يعملون) لترى السخرية العميقة ممتزجة بالتهديد والوعيد ، فمن أساء لقي جزاء إساءته.

3- في الآية الثالثة التدرج في العقوبة : 1- آمنوا - 2- كفروا 3- طبع على قلوبهم . 4- لا يفقهون . ولا يكون الجهل وعدم الفهم وفقه العاقبة إلا بعد أن يطبع على قاوبهم. وكيف يكفر المرء بعد أن ذاق حلاوة الإيمان؟! فإذا رضُوا الكفرَ واستساغوه فلْيُطبع على قلوبهم جزاءً وِفاقاً . وجاءت كلمة ( ذلك) توضيحاً لسوء فعلهم في الاية السابقة.

4- في الآية الرابعة نجد السخرية من المنظر الذي لا يتناسق والمخبر ،وقليلُ الخبرة بالرجال مَن يحكم عليهم بمنظرهم ولباسهم ومعسول كلامهم، فهؤلاء المنافقون مظهرهُم غير مخبرهم ، أجسام جسيمةٌ عليها الثياب الفاخرة ، خبراء في حياتهم الدنيوية يتحدثون فيُسمع لهم ،ويحضرون فيجلسون في صدر المجلس ،فإذا اختبرْتَ معادنهم بان المستور وانجلى الغبار عن قوم لا همّ لهم سوى حياتهم التي يعيشونها ، ويرجونها ، أما القتال فليسوا من أهله ، الصيحة تخيفهم ،والنداء يُكفِئهم، والجُبن يحكُمُهم،والجهاد يرعبهم، والبذل يؤخرهم. ، ولنتأمل الدعاء عليهم ( قاتلهم الله) إنه سخرية واضحة ، فلا يفقهون ولا يتدبرون ، بل يفخرون بما ليس فيهم ويدّعون.

5- ومن دواعي السخرية منهم أنهم يصرون على النقيصة لا يبرحونها، فإذا دُعوا إلى الاعتراف بالتقصير والتوبة ليدعو لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم، ويلحقوا بركب الإيمان أصروا على ما هم فيه من الاستكبار ، وانظر إلى (ليِّ رؤوسهم) عناداً وصدّاً عن الحق ( لَوّوأ رؤوسهم) أنفة وكبرياءً.، فهم (منافيخ) لا وعي ولا إدراك.

6- السخرية في الآية السادسة تتجلى في فسقهم وهوانهم على الله ، فلن يغفر الله لهم فهم لا يستحقونه.( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، لن يغفر الله لهم) ما السبب؟ إنهم خرجوا عن الحق إلى الضلال واستمرأوه فوصلوا إلى درجة الفسق ،ومن فسق ورضي الفسقَ واستمرأه حرمه الله تعالى الهداية، ولجَّ في العماية

7- السخرية في الآية السابعة من المنافقين سببه الإغراق في الاعتماد على المادّة في محاربة الإسلام وأهله ، فالمنافقون يعتقدون أن المهاجرين ما جاءوا المدينة إلا لانهم وجدوا فيها سبل العيش وأدواته ، فإذا مُنع عنهم المالُ انقطعت المعونة وعادوا من حيثُ أتوا ( هم الذين يقولون : لا تُنفقوا على مَن عندَ رسول الله حتى ينفضّوا ) ونسُوا أو جهلوا أن الذي يجمع المسلمين حول رسولهم الكريم إيمانُهم بالله وثقتهم به وحبهم لدينه والعيش في ظلال الإيمان الذي دخل قلوبهم فأحياها ،

ومتى كان المنافق يتطوّع ويتصدّق على المسلمين كي يقطع نائله عنهم؟!إن خزائن الله تعالى لا تنفدُ ( ولله خزائن السموات والأرض) هو الإله الرازق، ( ولكنَّ المنافقين لا يفقهون)...سخرية ما بعدها سخريّة.

8- وتتجلى السخرية في الآية الثامنة حين يعلن المنافقون كرههم للمسلمين وأنهم قادرون على إخراجهم من المدينة ( يقولون : لئن رجَعنا إلى المدينة لُخرجَنَّ الأعز منها الأذلَّ) فهم:

أ- يصرِّحون بما لا يستطيعون.ويظهرون خبيئة نفوسهم ،ولن يبلغوا مآربهم .وهذا من ضعف تفكيرهم وسوء تدبيرهم.

بـ- ولو كانوا أقوياء وصادقين فيما يدّعون لأعلنوا وهم خارج المدينة عائدين من غزوة بني المصطلق الانفصام عن المسلمين، وحاربوهم ليمنعوهم من الوصول إلى المدينة .والتسويف دليل ضعفٍ ( لئن رجعنا ..)

جـ- وكيف يسمحون للمسلمين بالدخول ثم يخرجونهم ؟َ ماهو إلا تنفيسٌ لحقدهم المحتدم في نفوسهم ولقد تنِدُّ عن الضعيف الجبان كلمة ترسم أمنياته الخبيئة في صدره مهما رغب بالتكتّم والسرية.

د- وفعلاً أخرج الأعزّ- هو رسول الله صلى الله عليه وسلم – الاذلَّ- هو ابن سلول – من دائرة العز التي ادّعاها وأتباعُه حين وقف ابنه المسلم ( عبد الله) يمنعه دخول المدينة إلا بإذن العزيز رسول الله صلى الله عليه وسلم،فـ( لله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ثم تجيء السخرية من المنافقين جلية مجلجلة ( ولكنَّ المنافقين لا يعلمون) ، وكيف يعلمون وقد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون؟!.

نيسان ـ د. عثمان قدري مكانسي ـ نشر في 2015-07-12 الساعة 22:23

الكلمات الأكثر بحثاً