اتصل بنا
 

الوطن البديل ودرء الشبهات والمتشابهات

كاتب وباحث أردني - رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجية

نيسان ـ نشر في 2019-01-16 الساعة 10:14

نيسان ـ كتب دانییل أربیس مقالاً في وول ستریت جورنال في 2 كانون الثاني 2018 محاججا أن حل الدولتین قد مات، وادعى أن إدارة ترامب عرضت إشارات حول صفقة القرن القادمة للسلام في الشرق الأوسط. وقال إن إدارة الرئیس ترامب ستقدم مفھوما جدیدا ”جریئا“ وھو استبدال ”حل الدولتین الفاشل بكونفدرالیة بین الأردن وإسرائیل“، حیث سیتم ”الاعتراف بالأردن كدولة فلسطینیة“.
وأطلق على ھذا الحل اسم ”حل الدولة الحقیقي“. ویستند الكاتب على حجة ”أن ُ الفلسطینیین أغلبیة سكانیة في الأردن“. وبالطبع دون أن یفرق بین مواطنین أردنیین من أصل فلسطیني أو غیره. ویدعو إلى أن ”حل الدولة الحقیقي“ سیوفر للفلسطینیین الجنسیة الأردنیة، ویتحمل الأردن بموجبھ المسؤولیة الإداریة لسكان الضفة الغربیة على أن تبقى السیادة على الأرض لإسرائیل.
الوطن البدیل ھو مشروع إسرائیلي جدي، تحاول أوساط إسرائیلیة متطرفة، وأخرى حلیفة لھا في العالم والمنطقة وداخل بعض دول المنطقة، بما فیھا الأردن، الترویج لھ بشتى السبل والوسائل البائنة والمستترة وما بینھما. بعض ھذه الأوساط یعمل بوعي تام، وبعضھا بجھل مطبق، وبعضھا یعمل بأجر معلوم وفق رؤیة ممنھجة وتدریجیة ومحسوبة بدقة للوصول إلى تفریغ أكبر عدد ممكن من الفلسطینیین من فلسطین إلى أي مكان آخر خارج فلسطین بما في ذلك الأردن.
ویتم ھذا من خلال تحویل حیاة الفلسطینیین الصامدین، كشجر الزیتون، في أرضھم إلى جحیم وتسھیل مغادرتھم أرضھم إلى أي جھة كانت. وعلى الرغم من أن ھذه السیاسات الإسرائیلیة لن تتمكن من تھجیر الفلسطینیین كافة، إلا أنھا تدفع الكثیرین للھجرة مما یساھم في تفریغ فلسطین لصالح المحتلین الإسرائیلیین ومستوطنیھم. یتم الترویج للوطن البدیل، بوعي أو بغیر وعي، تحت حجج متعددة؛ تبدأ بالمثالیة الأممیة البائدة والمساواة بین جمیع البشر بغض النظر عن أي خلفیات ومن ھو الظالم ومن ھو المظلوم ومن ھو المَّشرُد ومن ھو المِّشرد، وتمر ”بالأخوة“ الدینیة والقومیة وتتغلف بالأفكار التقدمیة النبیلة المتعلقة بالحقوق المدنیة والسیاسیة.
ویتم عادة، بعلم أو بجھل، فصل النتیجة عن السبب وتجرید اللجوء من الأطر السیاسیة المسببة لھ من احتلال وقتل ودمار وإرھاب التي أدت إلى اللجوء الإنساني.
كل ھذه المداخل بتعددھا ودوافعھا المختلفة والمتناقضة والمتضاربة تؤدي لنتیجة واحدة وھي إضفاء الشرعیة على فعل التھجیر القسري من خلال قبول التوطین الفعلي في بلد آخر دون النظر للنتائج الوخیمة المترتبة أو التي یمكن أن تترتب على ذلك.
تكتسب قضیة توطین اللاجئین أبعادا عدیدة وذات خصوصیة في كل مجتمع. في الأردن تم تأسیس ھویة تضم الأردنیین من شتى الأصول والمنابت وعلیھم جمیعاً الدفاع عن الأردن وفلسطین معاً من خلال الوقوف بوجھ محاولات تجنیس مزید من الفلسطینیین في الأردن ومنح الإسرائیلیین وحلفائھم مزیدا من المبررات لتحویل الأردن إلى فلسطین ووأد حل الدولتین الذي یشكل الموقف الإستراتیجي للدولة الأردنیة. ً على الرغم من أن ھناك إدراكا بأن حل الدولتین یواجھ تحدیاً خطیراً نتیجة لتقویضھ من خلال السیاسات الإسرائیلیة الاستیطانیة التي جعلت الأرض الفلسطینیة في الضفة الغربیة غیر متصلة جغرافیاً، إلا أنھ لیس من الواقعي أن نفترض أن خلق الحقائق على الأرض سیضفي الشرعیة على سیاسات الأمر الواقع التي تنتھجھا إسرائیل.
والأھم من ذلك، أن القضیة الوطنیة الفلسطینیةً لا تزال واضحة تماما على الرغم من كل محاولات إخراجھا عن مسارھا: الحق في تقریر المصیر في دولة شرعیة معترف بھا دولیا بما یتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي والمبادرات اللاحقة التي قبلھا الفلسطینیون.
وللوقوف بوجھ سیاسات التھجیر والتوطین القسري یجب على السلطة الوطنیة الفلسطینیة إعادة تأكید الھویة الوطنیة الفلسطینیة المشروعة وترسیخ موقفھا من خلال التأكد من أن جمیع الفلسطینیین أینما وجدوا وإذا أرادوا، أو أولئك المنحدرین من أصل فلسطیني على مستوى العالم إذا أرادوا، یمنحون الجنسیة الفلسطینیة بغض النظر عن جنسیاتھم الحالیة الأخرى.
لم یتغیر موقف الأردن الإستراتیجي ولن یتغیر: السلام یعني قیام دولة فلسطینیة لجمیع الفلسطینیین. الفلسطینیون الوطنیون ومعھم جمیع الباحثین عن العدالة والسلام لن یقبلوا أو یسمحوا لأنفسھم بتیسیر أو جعل الأردن، أو أي مكان آخر، وطناً بدیلاً للفلسطینیین. على الرغم من الجھود الدؤوبة التي یبذلھا الإسرائیلیون، لا سیما الأیدیولوجیون الیمینیون الإسرائیلیون، ومؤیدوھم عالمیاً والحلفاء في المنطقة للدفع باتجاه خیار سیاسة ”الأردن – فلسطین“ بطرق ّ وأشكال عدیدة، إلا أن ھناك موقفا قویا یوحد مواطني الأردن وقیادتھ على رفض ھذه المحاولة على الرغم من تكرارھا. الفلسطینیون والأردنیون من جمیع الخلفیات یقفون موحدین وراء فلسطین المستقلة. كما یرفضون أي تھجیر ضمني أو صریح لعدد أكبر من الفلسطینیین إلى الأردن.
إن إفراغ فلسطین من شعبھا الشرعي لا یخدم أحداً سوى إسرائیل، وسوف یفعل الأردنیون ما بوسعھم، وما ینبغي علیھم فعلھ، لدعم الفلسطینیین والحفاظ على الأردن بھویتھ الراھنة.
رئیس مجلس إدارة نماء للاستشارات الإستراتیجیة
الغد

نيسان ـ نشر في 2019-01-16 الساعة 10:14


رأي: د. فارس بريزات كاتب وباحث أردني - رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجية

الكلمات الأكثر بحثاً