اتصل بنا
 

'دال' قبل الاسم !

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2019-01-15 الساعة 14:43

نيسان ـ .. كان المتحدث هو المدير العام او رئيس التحرير لوكالة انباء عالمية، يحمل لقب دكتور بكل ما لهذه الرتبة العلمية من وقع ومهابة. لم يعرّف نفسه خلال استقباله وفد صحفيين عرب كان يزور بلاده، غداة الذكرى الثامنة لاعادة الوحدة الالمانية اي في العام 1997.
وقت الزيارة محدد مسبقا بساعة، طاف الرجل العالم خلالها في تفاصيل اوضاع العالم والسياسة والاقتصاد التي تقلق الناس والامم على حد سواء. شعرت وكثير من الزملاء المرافقين، باننا استمعنا لمحاضرة دسمة جدا في تقليب المعارف على جميع وجوهها. كان واضحا بشكل جلي أن الرجل الستيني يغوص في المعلومات التي يستدعيها دون عناء. وبكل تواضع العلماء الحقيقيين الاذكياء، بدا ان سؤالا صارخا سيدوي على لسانه في نهاية المقدمة الدسمة. كنت اخشى من هذا السؤال : اين انتم يا عرب من عالم اليوم، صحافة واعلاما واقتصادا وحضورا سياسيا، خصوصا في قضاياكم التي تشعل الدنيا كلها، باستثنائكم انتم؟! وهذا ما كان على شكل سؤال : ما هي صورة المانيا عندكم؟! فهمت وسواي ان الرجل يستدرجنا ويستفزنا لنبوح امامه عن كل ما لدينا. تحدث زميلان لكن دلويهما لم يغرفا من ذاك المنهل الذي يشفي غليل السائل. استأذنت في الحديث، فأوجزت موضحا أنّ غياب العرب عن ساحة الفعل الحضاري مرتبطة باسباب متراكمة تاريخيا، ونحن ما نزال نراوح في المكان ذاته، اذ لا يمكن ان يكون الاعلام الا انعكاسا لواقع بلداننا التي تشبه بلدان العالم، اقصد بناءها الهرمي للدولة التي تعتقد انها بنتها، لا بل وقطعت اشواطا في ترسيخها. وختمتُ باننا نتاج هذا الفشل الذي يشعرني شخصيا بالحياء ومواراة وجهي امامك وفي حضرتك، ذلك انك تحمل لقبا علميا حزته بتعب واغناء للمعرفة الانسانية التي جعلتك صحافيا تقود مؤسسة معروفة بحرفيتها ومهنيتها وحضورها على منصات العالم كله. انبرى الرجل يرد بتواضع جم: قد اجبتني سريعا من اولى فقراتك، فسأل: هل هذا الفهم منتشر في اوساط الصحفيين والاعلاميين العرب؟
اجبته بما يعني، اننا العرب ما نزال أسرى للشكلية دون العمق. يهمنا الوصف وليس المضمون. لدينا زملاء يحملون لقب "دكتور" لكنهم لا يمتون لهذا العالم بصلة . وقلت ايضا: ان الرداءة تلبس عندنا اثوابا مزركشة، لا بل وتتباهي بانها الاجدر على التاثير في الحياة. نعم انها الاقدر على هذا النحو، لكنها مطلقا لن تكون الاجدر . عندنا وبين ظهرانينا من يحملون اوصافا
"علمية" خُلعت عليهم من "دور علم" تسمى جامعات تعتمد قاعدة " ادفع قسطا تنجح فصلا"، فما بالنا اذا تحدثنا عن تقدير حامل لقب "دكتور". في غالب الاحيان يدفع الساعي لهذا اللقب مبلغا كبيرا ليحصل عليه، لان مشرفه بلغ هذه الرتبة وفق الطريقة ذاتها. احدهم كتب له البحث او الابحاث، وآخر اعد له البيانات المطلوبة للعرض امام لجنة المناقشة، وثالث القى نظرة لئلا تكتشف السرقة والسطو على ابحاث الآخرين، فيمنح الطالب فلان درجة الدكتوراة في هذا العلم او ذاك، وهو منها براء . هذا لا يحدث فقط، بل انه الطريق المعتمد لبلوغ "الدكترة" التي تكتظ بحملتها جامعاتنا وهم الابعد عن العلم والمعرفة والقراءة. اما اذا اقتصر الحديث عن الصحافة، فان بيننا من "الدكاترة" من يخطئ اخطأء يستحي تلميذ الابتدائية الاولى ان يخطئها . ولعل اطرف ما يقال في هذا الصدد، ان طلبة هؤلاء "الدكاترة" على ما لديهم من ضعف وفقر معرفي يدركون جيدا ان هذا الدكتور الذي يسمعون منه البطولات، هو محض مدع وأفّاق ليس الّا، لكنّه "مدعوم" !
اليوم استذكر ذاك الصحفي العالِم الذي لم تنتجه بيئة تعرف كلمة "مدعوم"، فأأسى لحالنا الذي لا مأساة بعده !

نيسان ـ نشر في 2019-01-15 الساعة 14:43


رأي: سليمان قبيلات كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً