اتصل بنا
 

ماذا لو أفاق أحدهم وقد تحوَّل إلى حشرة؟

للتواصل مع الكاتب:

نيسان ـ نشر في 2018-07-02 الساعة 11:28

x
نيسان ـ

بقلم محمد قبيلات... ما زالت عوالم كافكا العبثية تتجدد إلى يومنا هذا، فكما استيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، وقد وجد نفسه تحوّل إلى حشرة، أصبحنا نرى اليوم كثيرا من الناس قد تحوَّلوا إلى مجرد ذباب إليكتروني لا يكف عن الطنين.

هذا مع وجوب التفريق بين تلك العوالم الكافكاوية وما يجري اليوم، فشتان بينهما، لأن الانسحاب اليوم ناجم عن القصور الأخلاقي بينما هو عند كافكا في 'الانمساخ' يعبر عن حالة اغترابية أو عن هروب الشخصية المقهورة اجتماعيا بفعل استغلال المجتمع لها.

في البال، جدل فتح الحدود او اغلاقها.. بعيدا عن هذا النقاش، ما يهمنا هنا هي تلك الحالة الغوغائية المحتفلة بسقوطها الأخلاقي الكبير، الذي يتجلى كالعادة بالموقف من اللاجئين، معتمدا على الكراهية الغريزية من قبل المواطنين الموجهة ضدَّ 'الأغيار'، وهذا التحريض ربما يكون تم اكتسابه من ضمن الخبرات الشوفينية المستفادة من وقوع اليساري في أحضان القومي.

جرت العادة ان يكون الإنسان المرعوب من القمع عرضة لأكثر من مستوى من مستويات ردة الفعل، لكن جميعها تنحصر في المدى الممتد بين السلوك الانسحابي بمستوياته المختلفة، الناتج عن متلازمة الشعور بالذنب، وبين مستويات متلازمة ستوكهولم وعقد الخوف من المُختطِف، بحيث يتم الاستسلام الكامل لرغباته حتى أن المخطوف يجنح إلى حب الخاطف، فيقوم بتعظيم أي شأن أو بادرة إيجابية تصدر عنه، ليصبح مجرد متعاطف أو متعاون مع عدوه عن سبق إصرار من عقله الباطن الذي غايته النجاة.

يمكن الاسترسال في هذا التحليل إلى درجة ولوج الغموض التام، لكن يكفينا ما تقدم لتفسير حالة التعاطف مع القتلة في مستوى معين، وممارسة السلوك الانسحابي في مستويات أخرى، وتجليات ذلك كله بما نراه من انحياز ضدَّ العُزَّل الهاربين بجلودهم من الحرب.

وقد يصل الأمر من تفاقمه إلى حد إشهار الموقف الناتج عن هذا العقل المستقيل ببيان بشع تُجمع عليه التواقيع، كما يحدث في احتفالية من احتفاليات الدم، أو كنوع من أنواع السدور في الغيّ، هل هي نتاجات التقاعد؟ تقاعد العقل اليساري أقصد، أم أنها نتاجات وأعراض متلازمة الشعور بالذنب؟ بمعنى أن كل هذا الذي نراه يندرج ضمن سلوكات ارتدادية لتبرير الوقوف إلى جانب القتلة في الخندق المضاد للثورة بشكلها الحقيقي الأول.

سبق لهذا السقوط أن ظهر إزاء اللاجئين وضحايا الحرب السورية في الصحافة اللبنانية، لكنها تداركت الأمر واعتذرت عنه، وأيضًا، قبل أن يظهر نتيجة اشتعال المعارك في الجنوب السوري ظهر جليا إزاء ضحايا الحرب في الغوطة وريف دمشق.
ليت بعض من يمتلكون مهارة التسحيج للانتصارات المزعومة يتحمسون هونا ما، على سبيل التعقل والتذكر لنقطة جد مهمة، فليس الانتصار في معركة يعني الانتصار في الحرب كلها، وليس الانتصار في الحرب يعني انتصار الحق، فللباطل جولات أيضا، ويكفي أن نتذكر أن فرانكو قد انتصر على الثورة الإسبانية.

نعلم أنه من حق أي دولة أن تنظم تدفق اللاجئين إليها ضمن الحدود التي تسمح بها ظروفها الخاصة، وهذا يفترض أن يكون من القضايا السيادية غير الخاضعة لأهواء المتعاطفين مع أو ضد السماح للاجئين بعبور الحدود، لكن من فوائد النقاش الدائر اليوم أنه أظهر لنا الكثير من الأمراض التي أصابت انسانيتنا.

باختصار، لا تتعاملوا أيها السادة مع هذه المعارك بروحية تشجيع مباريات كأس العالم لكرة القدم، فالحرب ليست مجرد كرة تتدحرج فيتخاطفها اللاعبون، بل إن فيها الكثير من الآلام والعذابات، وتبقى نُدُبُها ظاهرة لفترة طويلة من الوقت كأنها تحكي قصص الجراح الغائرة.

نيسان ـ نشر في 2018-07-02 الساعة 11:28

الكلمات الأكثر بحثاً